فصل: ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ست وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن خـرج توقيـع يـوم الجمعـة لخمـس بقيـن مـن صفر إلى الوزير عميد الدولة بعزله تضمنه‏:‏ لكل أجل كتـاب انصـرف مـن الديـوان إلى دارك وخل ما أنت منوط به من نظرك‏.‏

فخرج هو وولداه وأهله إلى دار المملكة من غير استئذان الخليفة ثم ساروا إلى ناحية خراسان فكتب الخليفة إلى السلطان بأن بني جهير لا طريق إلى إعادتهم واستخدامهم و ألتمس أن يبعدوا من العسكر ولا يؤون وكان السبب في هذا الثقة بهم فصاروا متهمين فرتب في الديوان أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء أبي القاسم ابن المسلمة منفذًا وناظرًا وقد كان مرتبًا على أبنية الدار وغيرها ولما وصل بنو جهير تلقوا وأكرموا وعقد للوزير فخر الدولة على ديار بكر وخلع عليه الخلع وأعطي الكوسات وأذن له في ضربها أوقات الصلوات الخمس بديار بكر والصلوات الثلاث‏:‏ الفجر و المغرب والعشاء في المعسكر السلطاني‏.‏

وفي جمادى الآخرة‏:‏ توفي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فأجلس مؤيد الملك مكانه أبا سعد عبد الرحمن بن المأمون المتولي‏.‏

وفـي يـوم الخميـس النصـف مـن شعبانـك خلـع الخليفـة علـى الوزيـر أبـي شجـاع محمد بن الحسين خلع الوزارة ولقب بظهير الدينن وكان أبو المحاسن بن أبي الرضا قد نفق على السلطان كثيرا حتى عول عليه وأطرح نظام الملك وضمن أبو المحاسن النظام بألف ألف دينار فعرف النظام بذلك فصنـع سماطـًا ودعـا السلطـان إليـه وخـلا بـه بعد أن أقام مماليكه و الأتراك على خيولهم وكانو أكثر من ألف غلام وقال له‏:‏ إن قيل لك أيها السلطان إنني آخذ عشر أموالك وأرتفق بالشيء من أعمالـك وعمالـك فإننـي أخرجـه إلـى هـذا العسكـر الـذي تـراه بيـن يديـك فـإن جامكيتهم تشتمل على مائتـي ألـف دينـار فـي كـل سنـة وطـرح بيـن يـده ثبتـًا بمـا يتحصـل له كل سنة وأنه ما يكون أكثر من هذا المقدار وقال‏:‏ لو لم أفعل هذا لاحتجت أن يخرج لهم كل سنة وأنه ما يكون أكثر من هذا المقدار وقال‏:‏ لو لم أفعل هذا لاحتجت أن يخرج لهم كل سنة من خزانتك وقد جمعتهم بسلاحهم فتقدم بنقلهم إلى من تراه من الحجاب ويكون هذا العشر الذي آخذه منصرفًا إليهم وأخلص من التعب ومع هذا فقد خدمت جدك وأباك وشيخت في دولتكم وأنا والله مشفق من مضيك على ما أنت عليه وخائف من عقبـى مـا أنـت خائـض فيـه وحمـل مـن الجواهـر وغيرها ما ملأبه عينه وضمن له استخراج مال آخر من المتكلمين عليه فأطلعه السلطان على ماجرى في معناه وحلف له وقبض على أبي المحاسن وحمله إلى قلعة ساوة وقورت عيناه بالسكين وحملت إلى السلطان فتقدم بطرحهما لكلب الصيد وأخذ من أبن أبي الرضا مائتي ألف دينار‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن علي ولد سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وتفقه بفارس على أبي الفرج ابن البيضاوي وبالبصرة على الجـزري وببغـداد علـى أبي طالب الطبري وسمع أبا علي بن شاذان و البرقاني غيرهما وبني له نظـام الملـك المدرسـة بنهـر المعلـي وصنـف المهـذب و التنبيـه و النكـت فـي الخلـاف واللمـع و التبصرة و المعونة و طبقات الفقهاء وكانت له اليد البيضاء في النظم‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنشدني أبو زكريا بن علي السلار العقيلي‏:‏ كفاني إذا عز الحوادث صـارم ينيلني المأكول بالأثر و الأثر يقد ويفري في اللقاء كأنه لسان أبي إسحاق في مجلس النظر وكثر أتباعه ومالوا إليه وانتشرت تصانيفه لحسن نيته وقصده وكان طلق الوجـه دائـم البشـر مليح المحاورة يحكي الحكايات الحسنة وينشد الاشعار المليحة وذلك أنه حضر عند يحيى بن علـي بـن يوسـف بـن القاسـم بـن يعقـوب الصوفـي برباطه بغزنة يعزيه عن ابن شيخه المطهر بن أبي سعيد بن أبي الخير وكان قد غرق في الماء بالنهروان فأنشد‏:‏ غريـق كـأن المـوت رق لأخـذه فلان له في صورة المـاء جانبـه أبى اللـه أن أنسـاه دهـري فإنـه توفاه في الماء الذي أنا شاربـه وكان يعيد الدرس في بدايته مائة مرة‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ قال شيخنـا أبـو بكـر محمـد بـن عبـد الباقيـك قـال‏:‏ أبـو إسحـاق الشيـرازي‏:‏ كنـت أشتهـي وقـت طلبـي العلـم الثريـد بمـاء الباقـلاء فـلا يتيسر لي سنين فما صح لي لاشتغالـي بالـدرس وأخـذي السبق بالغدوات و العشيات وكان يقول بترك التكلف حته إنه حضر يومًا الديوان فناظر مع أبي نصر أبن القشيري فأحس في كمه بثقل فقال له‏:‏ يا سيدي ماهذا فقال‏:‏ قرصني الملاح‏.‏

وكان قشف العيش متورعًا ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له‏:‏ ياشيخ فكان يفتخر بهذا ويقول‏:‏ سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخًا‏.‏

وحكى أبو سعد بن السمعاني عن جماعة من أشياخه‏:‏ أنه لما قدم أبو إسحاق الشيرازي

رسـولًا إلـى نيسابـور تلقـاه الناس وحمل إمام الحرمين أبو المعالي الجويني غاشيته ومشى بين يديه كالخدم وقال‏:‏ أنا أفتخر بهذا‏.‏

أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي قال‏:‏ أنشدنا أبو إسحاق لنفسه‏:‏ سألـت النـاس عـن خـل وفي فقالوا ما إلى هذا سبيل تمسك إن ظفرت بود حر فإن الحر في الدنيا قليل وأنبأنا أبو نصر قال‏:‏ صحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي في طريق فأنشدني‏:‏ إذا طـال الطريق عليك يومًا فليس دواؤه إلا الرفيق تحدثه وتشكو مـا تلاقـي ويقـرب بالحديـث لـك الطريق وسئل يومًا ما التأويل فقال‏:‏ حمل الكلام على أخفى محتمله‏.‏

توفـي ليلـة الأحد الحادي و العشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة في دار المظفر ابن رئيس الرؤساء بدار الخلافة من الجانـب الشرقـي غسلـه أبـو الوفـاء بـن عقيـل وصلـى عليـه ببـاب الفردوس لأجل نظام الملك وأول من صلى عليه المقتدي بأمر الله وتقدم في الصلاه عليه أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء وهو حينئذ نائب بالديوان ثم حمل إلى جامع القصر فصلى عليه ودفن بباب أبرز وقبره ظاهر‏.‏

والعجـب أنـه لـم يقـدر لـه الحـج قـال بعـض أصحابـه‏:‏ لـم يكـن لـه شـيء يحج به ولو شاء لحملوه على الأحداق‏.‏

قال‏:‏ كذلك أبو عبد الله الدامغاني لم يقدر له الحج إلا إن ذاك كان يمكنه ولم يفعل ‏.‏

وحدثنـي أبـو يعلـى بـن الفـراء قـال‏:‏ رأيـت ابا إسحاق الشيرازي في المنام فقلت له‏:‏ أليس قدمت فقال‏:‏ لا و الله ما مت ثم أبرأ إلى الله من المدرسة وما فيها‏.‏

قلت‏:‏ أليس قد دفنت في التربة التي تعرف ببيت فلان فقال‏:‏ لا والله ما مت‏.‏

طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله أبو الوفاء القواس ولد سنة تسعين وثلثمائة وقرأ القرآن الكريم على أبي الحسن الحمامي وسمع الحديث من هلال الحفار وأبي الحسين بن بشران وغيرهما وتفقه على أبي الطيب الطبري ثم تركه وتفقه على القاضي أبي يعلى وأفتى ودرس وكانت له حلقة بجامع المنصور وللمناظرة والفتوى وكان ثقة ورعًا زاهدًا ولازم مسجده المعروف بباب البصرة لا يبرح منه خمسين سنـة روى لنـا عنـه أشياخنا‏.‏

وتوفـي يـوم الجمعةسابـع عشـر شعبـان مـن هـذه السنـة ودفـن إلـى جانـب الشريـف أبـي جعفر في دكة عبد الله بن عطاء بن عبد الله أبو محمد الإبراهيمي من أهل هراة رحل في طلب الحديث وعني بجمعه سمع بهراة من أبي عمر المليحي وأبي إسماعيل الأنصـاري وغيرهمـا وببوشنج من أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي وكان يخرج الأمالي وسمع بنيسابـور وبأصبهـان وببغـداد حدثنـا عنـه مشايخنـا وكـان حافظـًا متقنًا‏.‏

قال‏:‏ أبو زكريا بن منده الحافظ‏:‏ كان حافظًا صدوقًا وقدح فيه هبة الله بن المبارك السقطي فقال‏:‏ كان يصحف أسماء الرواة والمتون ويصر على غلطه ويركب الأسانيد علـى متـون‏.‏

و السقطي لا يقبل قوله‏.‏

توفي أبو محمـد بـن عطـاء يـوم الجمعـة فـي هـذه السنـة فـي طريـق مكـة حيـن عـاد منها‏.‏

محمد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الجباربن مفلح أبو طاهر بن أبي السفر الأنباري الخطيب ولد ليلة الأربعاء منتصف ذي الحجة سنة ست وسبعين وثلثمائة سمع خلقًا كثيرًا وكان من الجوالين في الآفاق والمكثرين من شيوخ الأمصار وكان يقول‏:‏ هذه كتبي أحب إلي من وزنها ذهبًا وكان ثقة ثبتًا فاضلًا صوامًا قوامًا حدثنا عنه جماعة من أشياخنا وقد سمع منه أبو بكر الخطيب روى عنه في مصنفاته فقال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد بن محمد اللخمي توفي في شعبان هذه السنة وقيل‏:‏ في جمادى الآخرة ودفن بالإنبار‏.‏

محمد بن أحمد بن الحسن أبو عبد الله بن جردة أصلـه مـن عكبـرا ورد بغداد فزوجه أبو منصور بن يوسف ابنته وكان شيخًا لم ير أحسن منه وأظهـر صباحـه وكـان أصـل بضاعتـه عشـرة نصافي ينحدر بها من عكبرا إلى بغداد ووسع عليه الـرزق حتى كان يحزر بثلثمائة ألف دينار وهو الذي دفع إلى قريش بن بدران عند مجيئه مع البساسيري عشرة آلاف دينار حتى حمى داره من النهب وكان فيها خاتون زوجة القائم ولما اجتمعت بعمها السلطان طغرلبك أخبرته بحقه عليها فجاء إلى داره شاكرًا‏:‏ وكانت داره بباب المراتب بضرب بها المثل وكانت تشتمل على ثلاثين دارًا وعلى بستان وحمام ولها بابان على كـل بـاب مسجـد إذا أذن فـي أحدهما لم يسمع الآخر وكان لا يخرج عن حال التجار في ملبسه ومأكله وهو الذي بنى المسجد المعروف به بنهر معلى وقد ختم فيه القرآن ألوفًا توفي ليلة الأربعاء ودفن يوم الأربعاء عاشر دي القعدة من هذه السنة في التربة الملاصقة لتربة القزويني

 ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن كوكبـًا انقـض فـي ليلـة الثلاثـاء لعشر بقين من صفر من المشرق إلى المغرب كان حجمه كحجم القمـر ليلة البدر وضوءه كضوئه وسار مدى بعيدًا على تمهل وتؤدة في نحو ساعة ولم يكن له شبه في الكواكب المنقضة‏.‏

وفي شوال‏:‏ أعطى الخليفة الوزيرأبا شجاع إقطاعًا ببضعة عشر ألف دينار وخرج التوقيـع بمدحه الوافر‏.‏

وفـي هـذا الشهر‏:‏ أعاد السلطان ملكشاه جماعة من الأولاد العرب الذين أخذوا في وقعه بينهم التركمان وجمالًا كثيرة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم أبو القاسم الجرجاني الإسماعيلي

ولد سنة سبع وأربعمائة وسمع الكثيـر وكـان دينـًا فاضـلًا متواضعـًا وافـر العقـل تـام المـروءة صدوقًا يفتي ويدرس وكان بيته جامعًا لعلم الحديث والفقه ودخل بغداد سنة اثنبين وسبعين فحدث بها فسمع منه جماعة من شيوخنا وحدثونا عنه وتوفي بجرجان في هذه السنة‏.‏

أحمد بن محمد بن دوست أبو سعيد النيسابوري الصوفي صحب أبا سعيد بن أبي الخير مدة وسافر الكثير وسافر الكثير وحج مرات حتى انقطعت طريق الحج وكان يجمع جماعة من الفقراء ويخرج معهم ويدور في قبائل العرب فينتقل من حلة إلـى حلـة وقـدم مـرة الباديـة فنزل عند صاحبه أبي بكر الطريثيثي وكان بينهما صداقة وكانت له زاويـة صغيـرة فقـال لـه‏:‏ ياأبـا بكـر لـو بنيـت للأصحـاب موضعًا أوسع من هذا وأرفع بابًا‏.‏

فقال له ‏:‏ إذا بنيـت رباطـًا للصوفيـة فاجعـل لـه بابـًا يدخل فيه جمل براكبه فذهب ابو سعد إلى نيسابور فبـاع جميـع أملاكـه وجـاء إلـى بغـداد وكتـب إلـى القائـم باأمر الله يلتمس منه خربة يبني فيها رباطًا وكانت له خدمة في زمن البساسيري فأذن له وأمر بعرض المواضع عليه فبنى الرباط وجمع الأصحاب وأحضر أبا بكر الطريثيثي وأركب رجلًا جملًا فدخل راكبًا من الباب فقال‏:‏ يا أبـا بكـر قـد امتثلـت مـا رسمـت‏.‏

ثـم جـاء الغـرق فـي سنـة سـت وستيـن فهـدم الرباط فأعاده أجود

ممـا كـان وكـان قبـل بنـاء الربـاط ينـزل فـي ربـاط عتـاب فخـرج يومـًا فرأى الخبز النقي فقال في نفسه ‏:‏ الصوفية خشكار فهم الآن على ذلك‏.‏

وتوفي ليلة الجمعة ودفن من يومه تاسع ربيع الآخر من هذه السنة ودفن في مقبرة باب أبرز وقد نيف على السبعين وأوصى أن يستخلف ابنه فاستخلف وكان له اثنتا عشرة سنة‏.‏

أحمد بن المحسن بن محمد بن علي بن العباس بن أحمد بن العطار الوكيل أبو الحسن بن أبي يعلى بن أبي بكر بن أبي الحسن ولد سنة إحدى وأربعمائة وسمع أبا علي بن شاذان وأبا القاسم الخرقي وأبا الحسن بن مخلد وغيرهم روى عنه أشياخنا وكان عالمًا بالوكالة والشروط متبحرًا في ذلك حتى يضرب به المثل في الوكالة وكان فيه ذكاء مفرط ودهاء غالب‏.‏

قال شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي‏:‏ طلق رجل إمرأته فتزوجت بعد يوم فجاء الزوج المطلق إلى القاضي ابي عبد الله البيضاوي وكان يلي القضاء بربع الكـرخ فقـال لـه‏:‏ طلقـت أمـس وتزوجها فتقدم القاضي بأن تحضر المرأة وتركب الحمار ويطاف بها في السوق فمضت المرأة إلى أبن محسن وأعطته مبلغًا من المال فجاء إلى القاضي وقال‏:‏ له ياسيدنا القاضي الله الله لا يسمـع النـاس هـذا ويظنـون أنـك تعـرف هـذا القدر فقال له القاضي‏:‏ طلقها أمس و تزوجت اليوم فأيـن العدة فقال‏:‏ له‏:‏ هذه كانت حاملًا فطلقها أمس ووضعت الحمل البارحة ومات الولد فتزوجت اليوم فسكت القاضي وتخلصت المرأة توفي يوم الثلاثاء عاشر رجب من هذه السنة‏.‏

عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم أبو عبد الله أصلـه واصـل بنـي عبد الرحيم من براز الروم للملك أبي كاليجار وللملك أبي نصر وخلصت له أموال كثيرة وكان كريمًا وقتله أبو نصر في دار المملكة في رمضان هذه السنة وعمره تسع وأربعون سنة‏.‏

عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر أبو نصر الصباغ ولد سنة أربعمائة ببغداد وسمع أبا الحسين بن الفضـل القطـان وبـرع فـي الفقـه وكـان فقيـه العراق وكان يضاهي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي ويقدم عليه في معرفة المذهب وغيره وكان ثقـة ثبتـًا دينـًا خيـرًا ومـن تصانيفـه الشامـل و الكامـل و تذكرة العالـم و الطريـق السالـم ولي التدريس بالنظامية ببغداد قبل أبي إسحاق عشرين يومًا ثم بعد وفاة أبي إسحاق وكان قد قال أبو الوفاء بن عقيل‏:‏ ماكان يثبت مع قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني ويشفى في مناظرته من أصحاب الشافعي مثل أبي نصر الصباغ توفـي بكـرة الثلاثـاء ثالـث عشـر جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في داره بدرب السلولي من الكرخ ثم نقل إلى مقبرة باب حرب‏.‏

محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم بن إسماعيل أبو الفضل المحاملي ولد سنة ست وأربعمائة وسمع أبا الحسين بن بشران وأبا علي بن شاذان وأبا الفرج بن المسلمة وغيرهم وتفقه على أبيه وأبوه صاحب التعليقة وحدث عنه مشايخنا وكان فطنًا ثم دخل في أشغال الدنيا وتوفي يوم الخميس خامس رجب ودفن في أشغال الدنيا وتوفي يوم الخميس خامس رجب ودفن بمقبرة باب حرب في هذه السنة‏.‏

مسعود بن ناصر بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو سعيد الشجري أقام مدة ببغداد يدور على الشيوخ ويفيد الواردين سمع بها من أبي طالب بن غيلان وأبي

بكر بن بشران وأبي القاسـم التنوخـي وأبـي محمـد الخلـال الجوهـري‏.‏

وسمـع بواسـط وبهـراة ونيسابور وسجستان وغيرهما وجال في الآفاق وسمع منه أبو بكر الخطيب وحصـل كتبـًا كثيرة ونسخًا نفيسة وكان حسن الخط صحيح النقل حافظًا ضابطًا متقنًا ومكثرًا واحتبسه نظام الملك بناحية بيهق مدة ثم بطرس للاستفادة منه ثم انتقل في آخر عمره إلى نيسابور فاستوطنها ووقف كتبه فيها في مسجد عقيل‏.‏

وقـال أبـو بكـر بـن الخاضبة‏:‏ وكان مسعود قدريًا سمعته يقرأ الحديث فلما أتى على حديث ابي هريـرة‏:‏ ‏"‏ احتـج آدم وموسـى ‏"‏ فـي الحديـث وقـال‏:‏ ‏"‏ فحج آدم موسى ‏"‏ فجعل موسى فاعلًا وآدم محجوجًا نوزع في ذلك وجرت قصة‏.‏

وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة بنيسابور وصلى عليه أبو المعالي الجويني‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه وصل الخبر في المحرم بأن أرجان زلزلت وما تاخمها من النواحي وهلك خلق وسقطت وفي ربيع الأول‏:‏ هبت ريح عظيمة بعد العشاء واسودت الدنيا وادلهمت وكثر الرعد والبرق وعلا على السطوح رمل عطيم وتراب وكانت النيران تضطرم في جوانب السماء ووقعـت صواعق بألسن و البوازنج وكسرت بالنيل نخيل كثيرة وغرقت سفن وخر كثير من الناس على وجوههم فاستمر ذلك إلى نصف الليل حتى ظنوا أنها القيامة ثم انجلت‏.‏

وفي هذا الشهر ولد للمقتدي ولد سماه‏:‏ حسينًا‏:‏ وكناه‏:‏ أبا عبد الله وجلس النائب بالديوان العزيز بباب الفردوس للتهنئة به وضربت الطبول والبوقات وكثرت الصدقات وخرج توقيع من أميـر المؤمنيـن وفيه قد رفع إلى مجلس العرض الأشرف مما أخذ منهم نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم‏}‏‏.‏

وفـي جمـادى الأولـى‏:‏ فتـح فخـر الدولـة أبـو نصـر ميافارقيـن عنـوة فتـم لـه بذلـك الاستيلاء على ديار بكر‏.‏

وفيه‏:‏ بدأ الطاعون ببغـداد ونواحيهـا وكـان عامـة أمراضهـم الصفـراء بينـا الرجـل فـي شغلـه أخذته رعدة فخر لوجهه ثم عر لهم شناج وبرسام وصداع وكان الأطباء يصفون مع هذه الأمراض أكل اللحم لحفظ القوة فإنهم ما كانت تزيدهم الحمية إلا قوة مرض وكانوا يسمونهـا‏:‏ مخوية وتقول الأطباء‏:‏ ما رأينا مثل هذه الأمراض لا تلائمهـا المبـردات ولا المسخنـات واستمـر ذلـك إلـى آخر رمضان فمات منه نحو عشرين ألف ببغداد وكان المرض يكون خمسة أيام وستة ثـم يأتـي المـوت وكـان النـاس يوصون في حال صحتهم وكان الميت يلبث يومًا ويومين لعدم غاسل وحامل وحافر وكان الحفارون يحفرون عامة ليلتهم بالروحانية ليفي ذلك بمن يقبر نهارًا ووهب المقتـدي للنـاس ضيعـة تسمـى الأجمـة فامتلأت بالقبور وفرغت قرى من أهلها منها المحول‏.‏

وحكى بعـض الاتراك أنه مر بالمحول فرأى كثرة الموتى ورأى طفلة على باب بيت تنادي‏:‏ هل من مسلم يؤجر فـي فيأخذنـي فـإن أبـي وأمـي وأخوتـي فـي هـذا البيـت‏.‏

قـال‏:‏ فنزلـت بهـا فـي صـدر أمهـا ميتـة ‏.‏

وحكى عبيد الله بن طلحة الدامغاني أن دربًا من دروب التوثة مات جميع أهله فسد باب الدرب وهلـك عامـة أهـل بـاب البصـرة وأهـل حربـي وعـم هـذا الطاعـون خراسـان والشـام والحجاز وتعقبه موت الفجأة ثم أخذ الناس الجدري في أطفالهم ثم تعقبه موت الوحوش في البرية ثم علاه موت الدواب و المواشي ثـم قحـط النـاس وعـزت الألبـان واللحـوم ثـم أصـاب النـاس بعـد ذلـك الخوانيـق والـأورام والطحـال وأمـد المقتدي بأمرالله الفقراء بالأدوية و المال ففرق ما لا يحصى وتقدم إلى أطباء المارستان بمراعاة جميع المرضى

وفي جمادى الآخرة‏:‏ هبت ريح سوداء وادلهمت السماء وكان في خلال ذلـك نـار وتـراب

كالجبال يسير بين السماء و الأرض فانجلت وقد هلك خلق كثير من الناس والبهائـم ودخـل اللصوص الحمامـات فأخـذوا ثيـاب النـاس ونهبـوا الأسـواق وغرقـت سفـن وسقـط رأس منـارة باب الأزج‏.‏

وفي شعبان‏:‏ بدأت الفتن بين أهل الكرخ ومحال السنة ونهبت قطعة من نهر الدجاج وقلعت الأخشاب حتى من المساجد وضرب الشحنة خيمًا هناك حتى انكف الشر‏.‏

وفي يـوم الخميـس ثانـي عشـر شعبـان‏:‏ خلـع علـى أبـي بكـر محمـد بـن المظفـر الشامـي فـي الديـوان وولـي قضاء القضاة‏.‏

قـال عبـد اللـه بـن المبـارك السقطـي‏:‏ لمـا توفـي محمد بن علي الدامغاني وكان يحمل إليه أموال كثيرة من الأمصار وترشح ولده لقضاء القضاة وبذل مالًا جزيلًا فرأى أمير المؤمنين رفع الظنة عنه بقبول مال فعدل إلى الشامي فخرج التوقيع بولايته فاستبشر الناس‏.‏

وفي رمضان تكلم بهراة متكلم فلسفي فأنكر عليه عبد الله الأنصاري فتعصب لذلك قوم فافتتنت هراة وخرج ذلك المتكلم إلى فوسنج بعد أن أثخن ضربًا وأحرقت داره فلجأ إلى دار القاضي أبي سعد بن أبي يوسف مدرس فوسنج فاتبعه قوم من أصحاب الأنصاري إلى فوسنج وهجموا عليه ونالوا منه ومن أبي سعد فافتتنت فوسنج وسود باب مدرسة النظام وكانت فيها جراحات فبعث النظام فقبض على الأنصاري فأبعده عن هراة حتى خبت الفتنة ثم أعاده إلى هراة‏.‏

وفي ذي القعدة‏:‏ جاء سيل لم يشاهد مثله منذ سنين فغرق عامة المنازل ببغداد ودام يومًا وليلة وبقي أثر ذلك السحاب في البرية إلى الصيف‏.‏

وفـي هـذا الشهـرك قبـض بدر الجمالي أمير مصر على ولده الأكبر وأربعة من الأمراء وكان الولد قد واطأهم على قتل ابيه لينفرد بالملك فوشى بذلك خـازن أحـد الأمـراء فأخـذ الأربعـة وضرب رقابهم وصلبهم وعفى أثر ولده فقال قوم‏:‏ قطع عنه القوت فمات وقال قوم‏:‏ غرقه وقال قوم‏:‏ دفنه حيًا وكان بدر هذا قد نفى عن مصر والقاهرة كل من وقعت عليه سيماء العلم بعد أن قتل خلقًا كثيرًا من العلماء وقال‏:‏ العلماء أعداء هذه الدولة هم الذين ينبهون العوام على مايقولونه ونفى مذكري أهل السنة وحمل النـاس أن يكبـروا خمسـًا مـن الجنائـز وأن يسدلوا إيمانهم في الصلـاة وأن يتختمـوا فـي الإيمـان وأن يثوبـوا فـي صلـاة الفجـر ‏"‏ حـي علـى خيـر العمـل ‏"‏ وحبس أقوامًا رووا فضائل الصحابة‏.‏

وزاد نيل مصر في هذه السنة زيادة لم يعهدوها منذ سنين وكثر الخصب‏.‏

وفي ذي الحجة عادت الفتن بين اهل الكرخ والسنة وأحرق شطر من الكرخ ومن باب البصرة

وعبـر الشحنـة فأحـرق من باب البصرة وقتل هاشميًا فعبر أهل باب البصرة إلى الديوان ورجموا المتعيشين في الحريم وغلقوا الدكاكين فنفذ من منع الشحنة منهم وأصلح بينهم‏.‏

وممـا حـدث فـي هـذه السنـة‏:‏ أن رجـلًا مـن الهاشمييـن يقـال لـه‏:‏ ابن الحب كانت له بنت فهويها جار لهـم وهويتـه فافتضهـا فدخـل إبوهـا فرآهـا علـى تلك الحال فغشي عليه ثم أفاق بعد زمان وجرد سيفًا وعدا ليقتلها فهربت إلى جيرانها ثم ظفر بها فسألها عن الحال فاعترفت فمضى إلى الديوان في جماعة من الهاشميين يستنفر على الرجل فلم تلبث له بينة ولا أقر الرجل فحبس الشريف ابنته في بيت وسد عليها الباب وكان لها أخ يرمي إليها من روزنة البيت يسيرًا من القوت فعلم أبوها فأخرجه من الدار فبقيت أيامًا ليس لها قوت فماتت‏.‏

ومما حدث‏:‏ أن قومًا وقعوا على حاج مصر فقتلوا خلقًا كثيرًا منهم وأخذوا أموالهم وعاد من سلم غير حاج‏.‏

وخرج توقيع من المقتدي بأمر الله ينقض ما علا من دور بني الحرر اليهود وسد أبواب لهم كانت تقابل الجامع وأخذ عليهم غض الصوت بقراءة التوراة في منازلهم وإظهار الغيار على رؤوسهم ونودي بالأمر بالمعروف النهي عن المنكر والتقدم إلى والي كل محلة بالسد من الطائفة الصمدية وأريقت الخمور وكسرت الملاهي ونقضت دورًا أهل الفساد أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أبي أيوب أبو بكر الفوركي وهو سبط أبي بكر بن فورك نزل بغداد واستوطنها وكان متكلمًا مناظرًا واعظًا وكان ختن أبي القاسم القشيري على ابنته وكان يعظ في النظامية فوقعت بسببه الفتنة في المذاهب وكان مؤثرًا للدنيا طالبًا للجاه لا يتحاشى من لبس الحرير وقد سمع من أصحاب الأصم وقيل لأبي منصور بن جهير‏:‏ نحضره لنسمع منه فقال‏:‏ الحديث أصلف من الحال التي هو عليها فاستحسن الناس ذلك منه‏.‏

وقـال شيخنـا أبـو الفضل بن ناصر‏:‏ كان داعية إلى البدعة يأخذ كسر الفحم من الحدادين ويأكل منه‏.‏

وتوفـي فـي شعبـان هـذه السنـة عـن نيـف وستيـن سنـة ودفـن عنـد قبـر الاشعـري بمشرعة الروايا من الجانب الغربي‏.‏

الحسين بن علي أبو عبد الله المردوسي كـان رئيـس زمانه وكان قد خدم في زمن بني بويه وبقي إلى زمان المقتدي وارتفع أمره حتى كانت ملوك الأطراف تكتب إليه عبده وخادمه وكان كامـل المـروءة لا يسعـى إلا فـي مكرمـة وكان كثير البر والصدقة والصوم والتهجد وحفر لنفسه قبرًا وأعدو كفنًا قبل وفاته بخمسين سنة وتوفي عن خمس وتسعين ودفن بمقبرة باب التين‏.‏

حمزة بن علي بن محمد بن عثمان أبو الغنائم ابن السواق البندار ولـد سنـة اثنتين وأربعمائة وسمع من أبي الحسين بن بشران وغيره وكان ثقة صدوقًا من أثبت المحدثين حدثنا عنه أشياخنا وتوفي في شعبان هذه السنة‏.‏

عبد الله بن محمد أبو الحسن البستي قاضي الحريم الشريف ولد سنة أربع وتسعين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة‏.‏

عبد الرحمن بن مأمون بن علي أبو سعد المتولي ولد سنة ست وعشرين وأربعمائة وسمع الحديث وقـرأ الفقـه علـى جماعـة ودرس بالنظاميـة ببغداد بعد أبي إسحاق ودرس الأصول مدة ثم قـال‏:‏ الفـروع أسلـم وكـان فصيحـًا فاضـلًا وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر شوال من هذه السنة وصلى عليه أبو بكر الشامي ودفن بمقبرة

عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي الجويني إمام الحرمين من أهل نيسابور وجوين قرية من قرى نيسابور ولد سنة ستع عشرة وأربعمائة وتفقه فـي صبـاه علـى والـده ولـه دون العشرين سنة فأقعده مكانه للتدريس فأقام التدريس وسمع الحديـث الكثيـر فـي البلـاد وفـي بغـداد مـن أبـي محمـد الجوهري وروى عنه شيخنا زاهر بن طاهر الشحامـي وخـرج إلـى الحجـاز فأقـام بمكـة أربع سنين وعاد إلى نيسابور فجلس للتدريس ثلاثين سنة وقد سلم إليه التدريس و المحراب و المنبر والخطابة ومجلس التذكيـر يـوم الجمعـة وكـان يحضر درسه كل يوم نحو ثلثمائة وتخرج به جماعة من الاكابر حتى درسوا في حياته وصرف أكثـر عنايتـه فـي آخـر عمـره إلـى تصنيـف الكتـاب الذي سماه‏:‏ ‏"‏ نهاية المطلب في دراية المذهب ‏"‏ وكان الشيخ أبو إسحاق يقول له‏:‏ أنت إمام الأئمة‏.‏

وكان الجويني قد بالغ بالكلام وصنف الكتب الكثيرة فيه ثم رأى أن مذهب السلـف أولـى فروى عنه أبو جعفر الحافظ أنه قال‏:‏ ركبت البحر الأعظم وغصت في الذي نهى عنه أهل الإسلـام كـل ذلـك فـي طلب الحق وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطف بره وإلا فالويل لابن وأنبأنا أبو زرعة عن أبيه محمد بن طاهر المقدسي قال‏:‏ سمعت أبا الحسن القيرواني وكان يختلف إلى درس أبي المعالي الجويني يقرأ عليه الكلام يقول‏:‏ سمعت أبا المعالي اليوم يقول‏:‏ يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو علمت أن الكلام يبلغ إلى مابلغ مااشتغلت به‏.‏

قـال المصنف رحمه الله‏:‏ وشاع عن أبي المعالي أنه كان يقول أن الله يعلم جمل الأشياء ولا يعلم التفاصيل فواعجبا‏!‏ أترى التفاصيل يقع عليها أسم شيء أو لا فإن وقع عليها أسـم شـيء فقد قال الله ‏{‏وهو بكل شيء عليم‏}‏{‏وكنا بكل شيء عالمين‏}‏‏.‏

ونقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال‏:‏ قدم أبو المعالي الجويني بغداد أول ما دخل الغز وتكلـم فـي أبـي إسحـاق وأبـي نصـر بـن الصبـاغ وسمعـت كلامه قال‏:‏ وذكر الجويني في بعض كتبه ما خالف به إجماع الأمة فقال‏:‏ إن الله تعالى يعلم المعلومات من طريـق الجملـة لا مـن طريـق التفصيـل‏.‏

قـال‏:‏ وذكر لي الحاكي عنه وهو من الفضلاء‏:‏ من مذهبه أنه ذكر على ذلك شبهات سماها حججًا برهانية‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ فقلت له‏:‏ ياهذا تخالف نص الكتاب قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ومـا تسقـط مـن ورقـة إلا يعلمهـا ولا حبـة فـي ظلمـات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبيـن‏}‏ وقـال‏:‏ ‏{‏يعلـم مـا فـي أنفسكـم‏}‏ و ‏{‏يعلـم ما فـي الأرحـام‏}‏ و ‏{‏يعلـم السـر وأخفـى‏}‏ و ‏{‏وهـو بكـل شـيء عليـم‏}‏ ثـم انتقـل إلـى بيـان علـم مالم يكن إن لو كان كيف كان يكون فقال‏:‏ ‏{‏ولو ردوا لعادوا‏}‏ وهذا من جهة السمع فأمامن جهة العقل فإنه خلق جميع الأشياء الكليات والجزئيات وهذا غاية الدليل على الإحاطة بتفاصيل أحواله ومعلوم أن دقائق حكمته المدفونة في النحل وهـو ذيـاب مـن سمـع وبصـر وتهـد إلـى دقائـق فـي حيـز الإهمـال ومـن نفى عن نفسه الجهل وأثبت لها العلم كيف يقال فيه هذا‏.‏

وقد عجبت من تهجمه بمثل هذه وهذه المقالة غاية الضلالة هذا كله كلام ابن عقيل‏.‏

وحكى هبة الله بن المبارك السقطي قال‏:‏ قال لي محمد بن الخليل البوشنجي‏:‏ حدثنـي محمـد بـن علـي الهريـري وكـان تلميـذ أبـي المعالـي الجوينـي قـال‏:‏ دخلـت عليـه فـي مرضـه الـذي مـات فيـه أسنانـه تتناثـر مـن فيـه ويسقـط منـه الـدود لا يستطـاع شـم فيـه‏:‏ فقـال‏:‏ هذا عقوبة تعرضي بالكلام فاحذره‏.‏

مرض الجويني أيامًا وكان مرضه غلبة الحرارة حمل إلى بشتنقان لاعتدال الهواء فزاد ضعفه وتوفي ليلة الأربعاء بعد العشاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة عن تسع وخمسيـن سنـة ونقـل فـي ليلتـه إلـى البلـد ودفـن فـي داره ثـم نقـل بعـد سنيـن إلى مقبرة الحسين فدفن إلى جانب والده وكان أصحابه المقتبسون من علمه نحو أربعمائة يطوفون في البلد وينوحون عليه‏.‏

أبو المعالي من أهل باب الطاق حدث عـن أبـي القاسـم بـن بشـران وحـدث عنـه شيخنـا أبـو القاسـم السمرقندي وكان يتصرف في أعمال السلطان‏.‏

وقال شيخنا ابن ناصرك كان رافضيًا لا تحل الرواية عنه‏.‏

توفي في رمضان هذه السنة‏.‏

محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علي المعتزلي من الدعاة كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر ولـم يكـن عنـده مـن الحديـث إلا حديث واحد لم يرو غيره سمعه من شيخه أبي الحسينبن البصري ولم يروا أبو الحسين غيره‏.‏

وهو قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ إذا لم تستحي فاصنع ماشئت ‏"‏ فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة‏.‏

وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا‏.‏

ولهذا الحديث قصة عجيبة‏:‏ وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة ولم يسمع مـن شعبـة ويكثـر فصادف مجلسه وقد انقضى فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحـًا وشعبـة علـى البالوعـة فهجـم فدخـل من غير استئذان وقال‏:‏ غريب قصدت من بلد بعيد لتحدثني فاستعظم شعبة ذلـك وقال‏:‏ دخلت منزلي بغير إذني وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال أكتب‏:‏ حدثنا منصور عن ربعي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إذا لم تستحي فاصنع ماشئت ‏"‏ ثم قال‏:‏ والله لاحدثتك غيره ولا حدثت قومًا أنت معهم‏.‏

والثاني‏:‏ أنبأنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا الحسن بن محمد البناء قال‏:‏ أخبرنا هلال بن محمد بن جعفـر قـال‏:‏ حدثنـا أحمـد بـن الصبـاح قـال‏:‏ حدثنـا إبراهيـم بـن عبـد اللـه الكشـي قـال‏:‏ حدثني بعض القضاة عن بعض ولد القعنبي قال‏:‏ كان أبي يشرب النبيـذ ويصحـب الأحـداث فقعـد يومـًا ينتظرهم على الباب فمر شعبة والناس خلفه يهرعون فقال‏:‏ من هذا قيل شعبة‏.‏

قال‏:‏ وأي شعبة قيل‏:‏ محدث‏.‏

فقام إليه وعليـه إزار أحمـر فقـال لـه‏:‏ حدثنـي‏.‏

قـال لـه‏:‏ مـا أنـت مـن أصحاب الحديث فشهر سكينه فقال‏:‏ أتحدثني أو أجرحك‏.‏

فقال له‏:‏ حدثنـا منصـور عـن ربعيـن ابـن مسعـود قـال‏:‏ قـال رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم ‏"‏ إذا لـم تستحـي فاصنع ماشئت ‏"‏ فرمى سكينه ورجع إلى منزله فأهراق ما عنده ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة فما سمع منه غير هذا الحديث‏.‏

وقال شيخنا ابن ناصر‏:‏ كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنه‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قال‏:‏ جرت مسألة بين أمراجهم في جماعهم وإنشاء شهوتهم لذلك قال أبو علي بن الوليد‏:‏ لا يمتنع أن يجعل من جملة لذاتهم ذلك لـزوال المفسـدة فيـه فـي الجنـة لأنـه إنمـا منع منه في الدنيا لما فيه من قطع النسل وكونه محلًا للأذى ليس في الجنة ذلك ولذلك أمرجوا في شرب الخمر لما أمن من السكر وغائلته من العربدة والعداوة وزوال العقل فلما أمن ذلك من شربه لم يمنع من الالتذاذ بها‏.‏

فقال أبو يوسف‏:‏ إن الميـل إلـى الذكـور عاهـة وهـو قبيـح فـي نفسـه إذ لـم يخلـق هـذا المحـل للـوطء ولهـذا لـم يبح في شريعة بخلاف الخمر وإنما خلق مخرجًا للحدث وإذا كان عاهة فالجنة منزهة عن العاهات‏.‏

فقال أبو علي‏:‏ إن العاهة هي التلويث بالأذى وإذا لم يكن إذى لم يكن إلا مجرد الالتذاذ فلا عاهة‏.‏

قال ابن عقيـل‏:‏ قـول أبـي يوسـف كلـام جاهـل إنمـا حـرم بالشـرع وكمـا عـادت الأجـزاء كلهـا لاشتراكها في التكليف ينبغي أن تعاد القوى و الشهوات لأنها تشـارك الأجـزاء فـي التكليـف ويتعص بالمنع من قضاء أوطارها و الممتنع من هذا معالج طبعه بالكف فينبغي أن تقابل هذه المكابـدة بالإباحـة‏.‏

ثـم عـاد وقال‏:‏ لا وجه لتصوير اللواط لأنه ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط إذ لا غائط توفـي أبـن الوليد في ليلة الأحد ثالث ذي الحجة من هذه السنة وصلى عليه أبو طاهر الزينبي محمد بن علي بن محمد بن الحسين بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حموية أبو عبد الله الدامغاني ولـد فـي ليلـة الاثنيـن ثامـن ربيـع الآخـر سنـة ثمـان وتسعيـن وثلثمائـة بدامغـان وتفقـه ببلـده ثـم دخـل إلى بغـداد يـوم الخميـس سـادس عشريـن رمضـان سنـة تسـع عشـرة فتفقـه علـى أبـي عبد الله الحسين بن علي الصيمري وأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري وسمع منهما الحديث وبرع فـي الفقـه وخـص بالعقـل الوافـر والتواضـع فارتفـع وشيوخه أحياء وانتهت إليه الرياسة في مذهب العراقيين وكان فصيـح العبـارة كثيـر النشـوار فـي درسـه سهـل الأخلـاق روى عنـه شيوخنـا وعاني الفقر في طلب العلم فربما استضوأ بسراج الحارس‏.‏

وحكـى عنـه أبـو الوفـاء ابـن عقيـل أنـه قـال‏:‏ كـان لـي مـن الحـرص علـى الفقـه فـي ابتـداء أمـري أنـي كنـت آخذ المختصرات وأنزل إلى دجلة أطلب أفياء الدور الشاطئية والمسنيات فأنظر في الجـزء وأعيده ولا أقوم إلا وقد حفظته فأدى بي السعي إلى مسناه الحريم الطاهري فجلست في فيئها الثخين وهوائها الرقيق واستغرقني النظر فإذا شيخ حسن الهيئـة قـد أطلـع علـى ثـم جاءنـي بعـد هنيهـة فـراش فقـال‏:‏ قـم معـي‏.‏

فقمـت معـه حتـى جـاء بـي إلـى بـاب كبير وعليه جماعة حـواش فدخـل بـي إلـى دار كبيرة وفيها دست مضروب ليس في أحد فأدناني منه فجلست إذا بذلـك الشيـخ الـذي أطلـع علي قد خرج فاستدناني منه وسألني عن بلدي فقلت‏:‏ دامغان وكان علي قميص خام وسخ وعليه آثار الحبر فقال مـا مذهبـك وعلـى مـن تقـرأ فقلـت‏:‏ حنفـي قدمـت منـذ سنين وأقرأ على الصيمري وابن القدوري‏.‏

فقال‏:‏ من أين مؤنتك قلت‏:‏ لا جهة لي أتمـون منهـا فقـال‏:‏ ماتقـول فـي مسألـة كـذا وكـذا مـن الطلـاق وبسطني ثم قال‏:‏ تجيء كل خميس إلي هـا هنـا‏.‏

فلمـا جئـن أقـوم أخـذ قرطاسـًا وكتـب شيئـًا ودفعه إلى وقال‏:‏ تعرض هذا على من فيه اسمه وتأخذ ما يعطيك‏.‏

فأخذته ودعوت له فأخرجت من باب آخر غير الذي دخلت منه وإذا عليه رجل مستند إلى مخده فتقدمت إليه فقلت‏:‏ من صاحب هذه الدار فقال‏:‏ هذا ابن المقتدر بالله فقال‏:‏ فما معك فقلت‏:‏ شيء كتبه لي‏.‏

فقال‏:‏ بخطـه أيـن كـان الكاتـب فقلت على من هذا فقال‏:‏ على رجل من أهل باب الأزج‏:‏ عشر كارات دقيق سميد فائق وكانت الكارة تساوي ثمانية دنانير وكتب لك بعشرة دنانير‏.‏

فسررت ومضي إلى الرجل فأخذ الخط ودهش وقال‏:‏ هذا خط مولانا الأمير فبادر فوزن الدنانير وقال‏:‏ كيف تريد الدقيـق جملة أو تفاريق فقلت‏:‏ أريد كارتين منها وثمن الباقي‏.‏

ففعل فاشتريت كتبًا كفقيه بعشرين و كاغدًا بدينارين‏.‏

وشهـد عنـد أبـي عبـد اللـه بـن ماكـولا قاضـي القضاة في يوم الاربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحـدى واربعيـن فلمـا توفـي ابـن ماكـولا قـال القائـم بأمر الله لأبي منصور بن يوسف‏:‏ قد كان هذا الرجـل يعنـي ابن ماكولا قاضيًا حسنًا نزهًا ولكنه كان خاليًا من العلم ونريد قاضيًا عالمًا دينًا‏.‏

فنظر ابن يوسف إلى عميد الملك الكندري هو المستولي على الدولة وهو الوزير وهو شديد التعصـب لأصحـاب الإمـام أبـي حنيفـة فـأراد التقـرب إليـه فاستدعـى أبـا عبـد اللـه الدامغانـي فولـى قاضـي القضـاة يـوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة سبع وأربعين وخلع عليه وقرئ عهده وقصد خدمة السلطان طغرليك في يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة فأعطاه دست ثياب وبغلة واستمرت ولايته ثلاثين سنة ونظر نيابة عن الوزارة مرتين‏:‏ مرة للقائم بأمر الله ومـرة للمقتدي‏.‏

وكـان يوصـف بالأكـل الكثيـر فـروى الأميـر باتكين بن عبد الله الزعيمي قال‏:‏ حضرت طبق الوزير فخر الدولة ابن جهير وكان يحضره الأكابر فحضر قاضي القضاة محمد بن علي فأحببت أن أنظر إلى أكله فوقفت بإزائه فأبهرني كثرة أكله حتى جاوز الحد وكان من عادة الوزير أن ينادم الحاضرين على الطبق ونشاغلهم حتى يأكلوا ولا يرفع يده إلا بعد الكل فلما وفرغ الناس من الأكل قدمت إليهم أصحن الحلوى وقدم بين يدي قاضي القضاة صحن فيه قطائف بسكر وكانت الأصحن كبارًا يسع الصحن منها أكثر من ثلاثين رطلًا فقال له الوزير يداعبه‏:‏ هذا مـرض أبـو عبـد اللـه الدامغاني يوم الأربعاء سابع عشر رجب وكان الناس يدخلون فيعودونه إلى آخـر يـوم الأربعـاء الرابـع والعشريـن من رجب فحجب عن الناس يوم الخميس والجمعة وتوفي ليلة السبـت الرابـع والعشريـن من رجب‏.‏

وقد ناهز الثمانين فنزع الفقهاء طيالستهم يوم موته وصلى عليه أبنه أبو الحسن ودفن بداره بنهر القلائين ثم نقل إلى مشهد أبي حنيفة محمد بن علي بن المطلب أبو سعد كان قد قرأ النحو و اللغة والسير والآداب وأخبار الأوائل وقال شعرًا كثيرًا إلا أنه كان كثير الهجو ثم مال عن ذلك وأكثر الصوم والصلاة و الصدقة وروى الحديث عن ابن بشران وابن شاذان وغيرهما وغسل مسودات شعره وأحرق بعضها بالنار وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وثمانين سنة‏.‏

محمد بن أبي طاهر العباسي ابن الرجحي تفقـه علـى أبـي نصـر ابـن الصبـاغ وشهـد عند الدامغاني وناب في القضاء فحمدت طريقته وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة الجامع‏.‏

توفي وتولى الإمارة أبنه سيف الدولة صدقة وتوفي في رجب هذه السنة‏.‏

بن أحمد بن السيبي أبو الحسن‏:‏ هبة الله بن عبد الله ولد سنة أربع وتسعين وثلثمائة وسمع أبا الحسين بن بشران وابن أبي الفوارس وأبن الحمامي وابن شاذان وكان مؤدبًا للمقتدي ثم أدب أولاده توفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب وبلغ خمسًا وثمانين سنة‏.‏وكان ينشد من إنشائه‏:‏ رجـوت الثمانين من خالقي لمـا جـاء فيهـا عن المصطفى فبلغنيها وشكرًا له وزاد ثلاثـًا بها أردفا وها أنا منتظر وعده لينجزه فهو أهل الوفا أبو البركات الوسوي الشريف‏:‏ كان له نقابة المشهد بسامرا وكـان مـن ظـراف البغدادييـن وكرمائهـم وكـان يصلـي عامـة الليـل وتوفي في شعبان هذه السنة عن ثلاثة عشر ولدًا ذكرًا وبنت واحدة‏.‏

الجهة القائمية الذخيرة والسيدة‏.‏

توفيت يوم الجمعة رابع عشرين جمـادى الآخـرة وأخرجـت عشيـة الجمعـة وصلى عليها ابن ابنها المقتدي بأمر الله وحملت في الطيا إلى باب الطاق فوصلت بعد عتمة ومشى الناس كلهم سوى الوزير إلى التربة بشارع الرصافة وجلس للعزاء بها ثلاثة أيام وكانت قد أوصت بجزء من مالها للحج والصدقات والقرب ويذكر عنها الصوم والصلاة والورع‏.‏

يحيى بن محمد بن القاسم أبو المعمر ابن طباطبا العلوي وكان بقية شيوخ الطالبيين وكان هو وأخوه نسابتهم وكان ينزل بالبركة من ربع الكرخ وكان مجمعًا لظراف الطالبيين وعلمائهم وشعرائهم وفضلائهم وكان يذهب مذهب الإمامية وقد قرأ طرفًا من الأدب وتوفي في رمضان هذه السنة وهو آخر بني طاطبا ولم يعقب‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه في المحرم تقدم أمير المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونودي بذلك في الأسواق وأريقت الخمور كسرت الملاهي ونقضت دور يلجأ إليها المفسدون‏.‏

وفيه‏:‏ قتل رجلان كان السبب في قتلهما أن امرأة كانت تطر وتأخذ أموال النـاس وتنفقهمـا عليهما ثم مالت إلى أحدهما دون الآخر فظفر به الآخر فقتله فظفرت بالقاتل أخت المقتول فجرحته فجاء أخوها فقتله فقبرا من ساعتهما‏.‏

وفيه‏:‏ قتل منفوخة المسلحي بالكرخ بين السورين فركب الشحنـة وكبـس دار الطاهـر نقيـب الطالبيين وقد كان لجأ إليها جماعة من المتهمين فقبض عليهم وأخذ منهم أموالًا فاتفقت السنة والشيعة على الاستغاثة على الشحنة فتغيب فطلبه الأتراك فأخذ مسحوبًا إلى الباب فاعتقل وأمر برد ما أخذ وأخرج منفوخة فأحرق على بابه‏.‏

وفـي صفـر تقـدم المقتـدي بإحضـار زعيـم الكفـاة أبـي منصـور محمـد بن محمد بن الحسين بن المعوج إلى الديوان فخلع عليه فحضره أرباب الدولة وخرج التوقيع بتقليده المظالم وكان فيه‏:‏ ‏"‏ ولما رأى أميـر المؤمنيـن فـي محمـد بـن محمـد بـن الحسين من العفاف والديانة والثقة والصيانة قلده المظالم وقـد أخـذ عليـه تقـوى اللـه وطاعتـه والسعي في كل ما كان يزلفه عنده ويقربه من أمير المؤمنين ‏"‏ فكان كل ما قرئ هذا قبل الأرض ثم خرج فجلس بباب النوبي ثم دعا الأمراء بالمعروف وفي هذا الشهر‏:‏ ثارت الفتنة بين السنة والشيعة وقتل جماعة منهم أبو الحسن بن المهتدي الخطيب وكانت الوقعة بين جامع المنصـور والقنظـرة العتيقـة فتولـى قتـال أهـل السنـة العميـد والشحنة ثم حاصر الطائفتان أيامًا فلم يقـدر أحـد أن يظهـر فجبـي لهمـا مـال تولـى جبايتـه النقيبان فتقدم أمي المؤمنين بالقبض على النقيبين فحبس النقيبين فأنكرا وألزم العميد الشحنة رد ما أخذا‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ قدم خدم ابن أبي هاشم من مكة بخرق الدم معلقة على حراب الأضاحي وخرج حجاب الديوان لتلقيهم وعادوا والقراء بين أيديهم فنزلوا وقبلوا العتبة الشريفة وصاروا إلى دار الضيافة فأدر عليهم ما جرت به العادة‏.‏

وبعـث فـي هـذه السنة صفائح ذهب وفضة لتعلق على الباب ففعل ذلك وقلع كل ما كان على الباب مما عليه أسم صاحب مصر وكتب اسم المقتدي‏.‏

وفي صفر أيضًا‏:‏ دخل عريف الصناع والفعلة والصناع معه على العادة إلى دار الخلافة فخرج المقتـدي بالله يمشي في الدار فخرج إليه ثلاثة من الرجال فقبلوا الأرض وقالوا‏:‏ نحن رجال من رؤسـاء نهـر الفضـل صودرنـا وعوقبنـا ولنـا أربعة أشهر على الباب لم ينجز لنا حال فتوصلنا إلى أن دخلنا في حد الروزجارية فقال‏:‏ فمن فعل بكم هذا قال‏:‏ ابن زريق الناظر بواسط فوعدهم الجميل فخرجوا وتقدم من ساعته بإيضاح الحال فإن كـان كمـا ذكروا فليعـزل ابـن زريـق عـن أعمـال واسـط وليصعـد به منكلًا‏.‏

ثم إلى صاحب المظالم أن لا يطوي حال أحد من الرعية ثم وصل أولئك وأحدرهم واصحبهم من يستوفي من ابن زريق مالهم وينفذ فيه ما تقدم به‏.‏

وفـي جمـادى الأولـى‏:‏ وصـل الشريـف العلـوي الدبوسـي كـان قـد استدعـاه النظـام للتدريـس بمدرستـه ببغـداد فتلقـى وكان بعيد النظر في معرفة الجدل فدرس في النظامية بعد موت أبي سعد المتولي‏.‏

وفي جمادى الآخر‏:‏ بدأ الطاعون بالعراق وكان عامة أمراضهم حمى الربع ثم يتعقبها الموت فلما كثر ذلك أمر المقتدي بتفرقة الأدوية والأشربة على المحال ثم فض عليهم المال‏.‏

وفـي هـذا الشهر‏:‏ سار ملك شاه فنزل الموصل في رجب ثم مضى إلى قلعة جعبر وقد كان تحصن بها شاري يعرف بسابق بن جعبر في عدد من السلوح يغيرون ويلجأون إليها فراسله السلطان في تسليمها وأن يؤمنه على نفسه وماله وفلم يجب فنصب العرادات ونقب السـور وفتحت وقتل عامة من كان فيهـا وقبـض علـى سابـق وأرادوا قتلـه بالسيـف فوقعـت عليـه زوجته وقالت‏:‏ لا أفارقه أو تقتلوني معه فألقوه من أعلى السور فتكسر ثم ضرب بالسيوف نصفين فألقت نفسها وراءه فسلمت فقال لها السلطان‏:‏ ما حملك على هذا فقالت‏:‏ إنا قوم لـم يتحـدث عنـا بالخنـا فخفت أن يخلو بي من الترك في القلعة فيقول الناس شاءوا‏.‏

فاستحسن ذلك منها‏.‏

وفي رجب‏:‏ وقعت صاعقة في خان الخليفة المقابل لباب النوبي فأحرقت جزءًا من كنيسة الخان وفتنت اسطوانة حتى صارت رميمًا وسقط منها مثل كباب القطن الكبار نارًا فخر الناس على وجوههم وسقطت أخرى بخرابة أبن جردة فقتلت غلامًا تركيًا وسقطت أخرى على جبل آمد فصار رمادًا ووقعت صواعق في البرية لا تحصى في ديار الشام‏.‏

وفي رمضان‏:‏ كثرت الوحول في الطرقات فأمر أميرالمؤمنين بتنظيفها وأقيم عـدد مـن الفعلـة لتنظيفها ومائة من البهائم لنقلها‏.‏

وفي أول يوم من شـوال‏:‏ حضـر الموكـب النقيبـان والأشـراف و القضـاة والشهـود فنهـض بعـض المتفقهة وأورد أخبارًا في مدح الصحابة وقال‏:‏ مابال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين الباسطة القاهرة‏.‏

فطولع بما قال فخرج التوقيع بما معناه‏:‏ أنهى ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال ذكر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي عنهما وتورطهم في هذه الجهالة واستمرارهم على هـذه الضلالـة التـي استوجبوا به النكال واستحقوا عظيم الخزي و الوبال وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ولولا ما تدرع به من جلباب الحلم وأسباب يتوخاها لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال فليؤجر بإظهار شغل السنة في مقابر باب التبن وربع الكرخ من ذكر الصحابة على الجنائز وحثهم على الجمعة و الجماعة والتثويب ‏"‏ بالصلاة خير من النوم ‏"‏ وذكر الصحابة على مساجدهـم ومحاريبهـم أسـوة بمساجـد السنـة والتقـدم بمكاتبـة ابـن مزيـد ليجري على هذه السنة في بلاده ‏{‏فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم‏}‏‏.‏

وفي شوال‏:‏ وصل رسول السلطان بكتب تتضمن الدعاء للمواقف المقدسة والاعتـذار مـن تأخره عن الخدمة وأنه بسعادة الخدمة فتح حلب وأنطاكية والرها وقلعـة جعبـر وطرفـا مـن بلاد الروم وهو في أثر هذه الخدمة فخرج من بغداد النقيبان طراد و المعمر فخدماه بالموصل وتلاهما عفيف ثم ذوو المناصب فلما وصل الصالحين نفذ من الإقامات مالا يحصى وخرج الموكب لتلقيه فتوجه الوزير أبو شجاع و النقيبان والجماعة والقراء والطبول و البوقات فبلغـوه عن المقتدي بأمر الله السلام والتهنئة بالتقدم فقام وقبل الأرض ثم دخل بغداد‏.‏

وفـي شوال‏:‏ وقعت الفتنة بين السنة و الشيعة وتفاقم الأمر إلى أن نهبت قطعة من نهر الدجاج وطرحـت النـار وكـان ينـادي علـى نهـوب الشيعـة إذا بيعت في الجانب الشرقي‏:‏ هذا مال الروافض وفـي ذي الحجـة‏:‏ قـدم السلطـان أبـو الفتـح ملـك شـاه إلـى بغداد ألزمته خاتون بهذا لتنقل ابنتها إلى الخليفـة فدخل دار المملكة والعوام يترددون إليه ولايمنعون وضرب الوزير نظام الملك سرادقة في الزاهر ليقتدي به العسكر ولا ينزلون في دور الناس فلم يقدم أحد على النزول في دار أحد وركـب السلطـان إلـى مشهـد الإمـام أبـي حنيفـة رضي الله عنه فزاره وعبر إلى قبر معروف وقبر موسى بن جعفر والعوام بين يديه وانحدر إلى سلمان فزاره وأبصر إيوان كسرى وزار مشهد الحسيـن عليـه السلـام وأمـر بعمـارة سوره ويمم إلى مشهد علي عليه السلام فأطلق لمن فيه ثلثمائة دينار وتقدم باستخراج نهر من الفرات بطرح الماء إلى النجف فبدئ فيه وعمل له الطاهر نقيب العلويين المقيم هناك سماطًا كبيرًا‏.‏

وفي ليلة الاثنين سابع ذي الحجة‏:‏ مضت والدة الخليفة وعمته إلى خاتون فـي دار المملكـة فضربت سرداقًا من الدار إلى دجلة ونزلت إليهما فخدمتهما وصعدتا إلـى دار المملكـة ثـم نزلتا وهي معهما وانحدرن‏.‏

وفـي ليلـة الخميـس سابـع عشـر هـذا الشهـر‏:‏ وصـل النظـام إلـى الخليفـة مـن التـاج ومشـى وحـده إلى أن وصل إليه وهو جالس من وراء الشباك فخدم فقربه وأدناه وأخرج يده من الشباك إليه فقبلها ووضعها على عينه وخاطبه بما جمله به‏.‏

وكان جماعة من الفقراء يأؤون إلى كويخات بباب الغربة فتقدم أمير المؤمنين بأن يشتري لكل واحد دارًا بالمقتدية وبالمسعودة والمختارة وملكوها ونقضت كويخاتهم‏.‏وتوفي فقير صاحب مرقعة بجامع المنصور كان يسأل الناس فوجدوا في مرقعته ستمائة دينار مغربية‏.‏

وظهر فيها بين ديار بني أسد وواسط عيار مقطوع اليد اليسرى كان يقع على القفل بنفسه فيقتل ويمثل ويأخذ المال وكان يغوص عرض دجلة في غوصتين وكان يقفز خمسة عشر ذراعًا ويتسلق الحيطان الملس ولا يقدر عليه فخرج عن أرض العراق سالمًا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ صنع سيف الدولة سماطًا للسلطان جلال الدولة بظاهر الأجمة في الجانب الشرقي ذكر أنه ذبح ألف كبش ومائة رأس دواب وجمال وأنه سبك عشرين إلفًا منًا سكرًا وكان السماط أحسن شيء وقد علق عليه ما صنع من منفوخ السكر من الطيور و الوحوش وأنواع التماثيل فحضر السلطان وأشار إلى شيء منه ثم نهب وانتقل إلى طعام خاص ومجلس عبـي لـه سـرادق ديبـاج في خيم ديباج اشتمل على خمسمائة قطعة م أواني الفضة وزين بتماثيل الكافور والعنبر والندو المسك الأذفر فجلس وقضى منه وطرأ فلما نهض خدم سيف الدولة بحمل عشرين ألف دينار والسرادق والأواني وقبل الأرض بين يديه وانصرف‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ وقعت العرب على الحاج فقاتلوهم يومهم وأمسوا يسألون الله النجاة فبلغ العرب أن قومًا منهم علموا خلو أبياتهم فاستاقوا مواشيهم فولوا‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن عبد الواحد بن طاهر بن الطيب أبو الخطيب

القطان سمع البرقاني والخرقي وعبـد اللـه بـن بشـران روى عنـه شيخنـا عبـد الوهـاب وأثنـى عليـه فقال‏:‏ كان خيرًا كيسًا توفي في جمادى الأخرة من هذه السنة‏.‏

إسماعيل بن زاهر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو القاسم النوقاني من أهل نيسابور‏.‏

ولد سنة سبع وتسعين وثلثمائـة سمـع بالبلـاد مـن خلـق كثيـر وكـان ثقـة صدوقًا فقيهًا أديبًا حسن السيرة روى عنه أشياخنا وتوفي في هذه السنة الحسن بن محمد بن القاسم أبو علي بن زينة

سمع من هلال الحفار وأبي الحسن الحمامي وغيرهما وروى عنه شيخنا أبو محمـد المقـرئ

توفي في صفر هذه السنة‏.‏

ختلغ بن كنتكين أبو منصور أمير الحاج كان شجاعـًا ولـه وقعـات مـع عـرب البريـة وكانـوا يخافونـه وكـان حسـن السيـرة محافظـًا علـى الصلوات في جماعة يختم القرآن كل يوم ويختص به العلماء والقراء وله آثار جميلة في المشاهد والمساجد والمصانع بيـن مكـة والمدينـة ولبـث فـي أمـره الحـاج اثنتـي عشـرة سنـة توفـي فـي يـوم الخميـس بين الظهر والعصر سابع جمادى الأولى من هذه السنة فبلغ ذلك النظام فقال‏:‏ مات ألف رجل صافي عتيق القائم بأمر الله‏.‏

قرأ القرآن وصاحب الأخبار وتبع أبـا علـي بـن موسـى الهاشمـي الحنبلـي فأخـذ مـن هديـه وكان متورعًا له تهجد وعبادات وبر وصدقات وأعتق عند موته عبيده وإماءه وأوصى لكل منهـم بجـزء من ماله ووقف على أبواب البر وأجاز ذلك المقتدي وصلى عليه ثم حمل إلى تربة الطائع فقبر هناك عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي

سمع أبا القاسم بن بشران وغيره روى عنه شيخنا أبو القاسـم السمرقنـدي وكـان مـن ذوي الهيئات النبلاء والخطباء الفصحاء وكان صاحب مفاكهة وأشعار وطرف وأخبار توفي في شعبان هذه السنة ودفن في مقبرة جامع المدينة‏.‏

عبد الخالق بن هبة الله بن سلامة بن نصر أبو عبد الله المفسر الواعظ‏.‏

ولد سنة تسعين وثلثمائة وسمع اباه وأبا علي بي شاذان وغيرهما وكان له سمت ووقار وكان كثير التهجد والتعبد وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو ابن أربع وتسعين ودفن بمقبرة الجامع‏.‏

عبد الواحد بن محمد بن عبد السميع أبو الفضل العباسي من ولد الواثق روى الحديث وكان ثقة صالحًا توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة عن نيف وتسعين ودفن بمقبرة الجامع‏.‏

علي بن أبي نصر بن ودعة‏:‏ كان يؤثر عنه الخير والأمانة والديانة وكان رئيس التجار بالموصل‏.‏

علي بي فضال أبو الحسن المجاشعي النحوي سمع الحديث وكان له علم غزير وتصانيف حسان إلا أنه مضعف في الرواية توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن بباب أبرز‏.‏

علي بن أحمد بن علي أبو القاسم ابن الكوفي سمع ابن شاذان وابن غيلان وغيرهما وقرأ القرآن على أبـي العـلاء الواسطـي وغيـره وولـي النظر بالمارستان العضدي فأحسن مراعاة المرضى توفي في رجب هذه السنة ودفن بالشونيزية‏.‏

محمد بن أحمد أبو علي التستري كان متقدم البصرة في الحال المال وله مراكب في البحر حفظ القرآن وسمع الحديث وانفرد بروايـة سنـن أبـي داود عـن أبـي عمر وكان حسن المعتقد صحيح السماع وتوفي في رجب هذه السنة‏.‏

روى الحديث ونظم الشعر وكانت له يد في القراآت إلا أنهم حكوا عنه تسمحًا في الروايـة توفي المطيري عن مائة وثلاث عشرة سنة‏.‏

محمد بن محمد بن أحمد ابن المسلمة أبو علي بن أبي جعفر ولد سنة إحدى وأربعمائة وروى عن هلال الحفار وغيره فـروى عنـه أشياخنـا وتوفـي فـي رمضان هذه السنة ودفن بباب حرب وكان زاهدًا صموتًا ثقة‏.‏

محمد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو نصر بن أبي طاهر بن علي ولد في صفر سنة تسع وثمانين وثلثمائة وسمع من المخلص وأبي بكر بن زنبور وأبي الحسن الحمامي وغيرهم وتزهد في شبابه فانقطع في رباط أبي سعد الصوفي ثم انتقل إلى الحريم الطاهري وكان ثقة وعاش ثلاثًا وتسعين سنة فلم يبق في الدنيا من سمع أصحاب البغوي غيـره وكـان آخر من حدث عن المخلص وحدثنا عنه أشياخنا وآخر من حدثنا عنه سعيد بن أحمد بن البناء وتوفي في ليلة السبت الحادي والعشرين من جمادى الآخرة وصلى عليه أخوه محمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف أبو بكر‏.‏

سمع الكثير من أبي الحسين بن بشران وأبي الحسن الحمامي وابن أبي الفوارس وغيرهم روى عنه أشياخنا وكان رجلًا صالحًا قليل المخالطة لا يخرج إلا في أوقات الصلوات يتشدد في السنـة حضـر أخـوه مجلـس أبـي نصـر القشيري فهجره وقال شيخنا ابن ناصر‏:‏ كان عالمًا متقنًا ذا ورع وتقى وثقة كثير السماع توفي ليلة الخميس ثالث ربيع الأول ودفن بمقبرة باب حرب مطلب الهاشمي‏.‏

كان خطيبًا قديمًا ثم اقتطعه القائم بأمر الله إلى إمامته فكان يصلي به وكان خيرًا حسن المعتقد يذهب إلى مذهب أحمد بن حنبل توفي في رمضان هذه السنة وهو في عشر السبعين‏.‏

هبة الله ابن القاضي محمد بن علي بن المهتدي أبو الحسن الخطيب ولد في سنة تسع عشرة وأربعمائة وروى عن البرقاني وغيره وكـان إليـه القضـاء بعـد أبيـه

وخـرج فـي أيـام الفتنـة بيـن أهـل الكرخ وباب البصرة فوقع فيه سهم فمات ودفن يوم الجمعة تاسع عشر صفر عند أبيه خلف القبة الخضراء‏.‏

يحيى بن الحسين بن إسماعيل بن زيد أبو الحسين الحسني وكان مفتي طائفته على مذهب زيد بن علي وكان له معرفة بالأصول والحديث‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمانين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها أنـه نـودي فـي يوم الخميس غرة المحرم برفع الضرائب و المكوس بتوقيع شريف صدر عن المقتدي بأمر الله وكتبت ألواح ألصقت على الجوامع بتحريم ذلك‏.‏

وخـرج السلطان ملك شاه في رابع المحرم إلى ناحية الكوفة للصيد فاصطاد هو وعسكره ألوفًا حتـى بنـى مـن حوافزهـا منـارة كبيـرة عنـد الربـاط الـذي أمـر ببنائـه بالسبيعـي بقـرب الرحبـة فـي طريـق مكة وهي باقية إلى الآن وتسمى منارة القرون وقيل أنه كان فيها أربعة آلاف رأس‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشر المحرم‏:‏ بعث المقتدي ظفر الخادم فاستدعى السلطان ملك شاه فأنقذ إليه الطيار فلما وصل السلطان إلى باب الغربة قدم إليه مركوب الخليفة بمركب جديد صيني وسرج من لبد أسود فكبه ووصل إلى الخليفة فأمره بالجلوس فامتنع فأمره ثانيًا وأقسم عليـه حتـى جلس وتقدم بإضافة الخلع عليه ولم يزل نظام الملك يأتي بأمير أمير إلى تجاه السدة فيقول للأمير بالفارسية‏:‏ هذا أمير المؤمنين ثم يقول للخليفة‏:‏ هذا العبد الخادم فلان بن فلان ولايته كذا وعسكره كذا وذلك الأمير يقبل الأرض وكانوا أكثر من أربعين أميرًا وكان في جملة الأمراء آيتكين خال السلطان فلما حضر استقبل القبلة وصلى بإزاء الخليفة ركعتين واستلم الحيطان ومسح بيده وجسمه وعاد السلطان وعليه الخلع والتاج والطوقان وكمشتكين الجامدار يرفع ذيله عن يمينه وسعد الدولة يرفعه عن شماله فمثل بين يدي السدة وقبل الأرض دفعات فقلده سيفين فقال الوزير أبو شجاع‏:‏ يا جلال الدولة هذا سيدنا ومولانا أمير المؤمنين الذي اصطفاه الله بعز الإمامة واسترعاه الأمة فقد أوقع الوديعة عندك موقعها وقلدك سيفين لتكون قويـاُ علـى أعـداء اللـه‏.‏

فسـأل تقبيـل يـد الخليفـة لـم يجبـه فسأل خاتمه فأعطاه إياه فقبله ووضعه في عينه وحضر الناس بأجمعهم فشاهدوا الخليفة والسلطان ثم انكفأ وحمل بين يديه ثلاثة ألوية وثلاث أفـراس فـي السفـن وأربعـة علـى الطريـق واستقبـل مـن داره بالدبـادب والرايـات ونثـرت وفـي يوم الاثنين عشر محرم‏:‏ جاء نظام الملك إلى دار ابنه مؤيد الملك فبات بها وجاء من الغد إلى المدرسة ولم يكن رآها نهارًا وجلس بها وقرئ عليه فيها الحديث وأملي أيضًا الحديث وبات بدار ولده وعاد إلى الزاهر من الغد‏.‏

وأنفذ السلطان في ثامن عشر المحرم إلى الخليفة صندوقين فيهما مال وعمل للأمراء سماطًا ثم اجتاز السلطان في الحريم ولم يكن رآه وخرج إلى الحلبة ثم عاد بعد أيام فجاز فيه فنثرت عليه الدراهم والدنانير وأثواب الديباج وغلق البلد لذلك ثم عبر في هذا اليوم إلى الجانب الغربي فدخل العطارين والقطيعتين ومضى إلى الشونيزي والتوثة ونزل دجلة‏.‏

قـال المصنـف‏:‏ وقـرأت بخط ابن عقيل قال‏:‏ دخل نظام الملك بغداد أواخر سنة ثمانين فلم يدرك رجلًا يومئ إليه من أهل العلم‏.‏

وفي يوم الأحد خامس عشرين محرم‏:‏ أمر الناس بتعليق وتزيين البلد لأجل زفاف خاتون بنت ملـك شـاه إلـى المقتـدي وكان الزفاف في مستهل صفر ونقل الجهاز على مائة وثلاثين جملًا وبين يديـه البوقـات والطبـول والخـدم فـي نحـو ثلاثـة ألـاف فـارس ونثـر عليـه بغداد ثم نقل بعد ذلك شيء آخـر علـى أربعـة وسبعيـن بغـلًا وكـان علـى ستـة منها الخزانة وهي أثنا عشر من فضة وبين يديها ثلاثة وثلاثون فرسًا والخدم والأمراء بين يدي ذلك‏.‏

فلما كانت عشية الجمعة سلخ محرم ركب الوزير أبو شجاع إلى خاتون زوجة السلطان فقال‏:‏ ‏"‏ إن اللـه يأمركـم أن تـؤدوا الأمانـات إلـى أهلهـا ‏"‏ وقـد أذن فـي نقـل الوديعـة إلى الدار العزيزة‏.‏

فقالت‏:‏ ‏"‏ السمع والطاعة للمراسم الشريفة فجاء نظام الملك وأبو سعد المستوفي والأمراء وكل واحد معه الأمناء الكثيرة ثم جاءت خاتون الخليفة من وراء ذلك كل في محفة مرصعة بالجوهر وقد أحاط عجفتها مائتا جارية من خواصها بالمراكب العجيبة فوصلت إلى الخليفة فأهديت إليه تلك الليلة‏.‏

فلما كان يوم السبت مستهل صفر صبيحة البناء أحضر الخليفة عسكر السلطان على سماط استعمل فيه أربعون ألفًا منًا سكرًا وخرج السلطان ليلة الزفاف إلى الصيد على عادة الملوك فغاب ثلاثة أيام‏.‏

وفـي خامـس صفر‏:‏ تقدم السلطان بالنداء في سوق المدرسة‏:‏ لا حريم إلا لأمير المؤمنين وهذا الموضع داخل في حريمه‏.‏

وفي هذا اليوم‏:‏ هرب تركي إلى دار الخليفة من أجل أنه أخذ صبيًا فأدخل في دبره دبوسًا فمات فسلمه الخليفة إلى أصحاب الملك فصلب‏.‏

وفي نصف صفر‏:‏ خرج ملك شاه من بغداد نحو أصفهان ومعه نظام الملك وخرج الوزير أبو

وفي هذا الشهر‏:‏ ولد للسلطان ولك سماه محمودًا وهو الذي خطب له بالمملكة بعده وحضر الناس صبيحة ذلك اليوم فحملوا الأموال وجلس للتهنئة ونفذ إليه الموكب يهنئه‏.‏

وفي ربيع الأول‏:‏ وقع حريق في أحطاب جمعت في أشهر لشواخير الآجر بالحلبة قصد إيقاع عدو لأصحابها فأصاب من تلك النار سطوح الناس والحريم كله حتى كأن في كل سطح شموعًا فخرج الناس لإطفائه فما قدر أحد أن يقاربه من خمسمائة ذراع إلى أن انتهى الحطب فخمدت النار‏.‏

وفـي ربيـع الـأول‏:‏ غـرق ستـون مركبـًا ببحـر الشـام وهلك فيها ثلثمائة رجل ورمى قوم أنفسهم إلى الماء فنجوا‏.‏

وفي شعبان‏:‏ وصلت الكتب السلطانية تتضمن سؤال الخدمة الشريفة أن يتقدم إلى خطبـاء المنابر بذكر الأميـر أحمـد بـن ملـك شـاه تالـي ذكر أبيـه وكـان السلطـان قـد جعلـه ولـي عهـده وسـار فـي ركابه ففعل ذلك ونثرت الدنانير على الخطباء‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ زلزلت همذان وما داناها من ارض الجبل فرجفت بهم الأرض سبعة أيام ووقعت منازل كثيرة وهلك خلق كثير تحت الردم وسقط برجان من قلعة همذان وهلك من سوادها ناحيتان وخرج الناس إلى الصحراء حتى سكنت ثم عادوا‏.‏

وفي رابع ذي القعدة‏:‏ ولد المقتدي من خاتون ابنة السلطـان ولـد فسمـاه جعفـرًا وكنـاه‏:‏ أبـا الفضـل وزيـن البلـد لأجلـه وجلـس الوزيـر للهنـاء ببـاب الفـردوس ونصبـت القبـاب بنهـر معلـى وزينت سوق الصيارفة بأواني الذهب والفضة والجواهر وأظهر الكافوريون تماثيل من الكافور وأظهر قوم من صناعتهم عجبًا فسير الملاحون سفينة على عجل وأظهر الطحانون أرحاء تطحن على وجه الأرض‏.‏

وفـي هـذا الشهـرك وقـع القتال بين أهل الكرخ وأهل باب البصرة وأصعد أقل باب الأزج ناصرين أهل باب البصرة بالزينة والسلاح والأعلام فقصدهم سعد الدولة فمنعهم عن العبور وقاتلهم وأخذ سلاحهم فانطفأت الفتنة بذلك‏.‏

وفـي ذي الحجـة‏:‏ خـرج المرسـوم أنـه قد انهى حال يهود بطريق خراسان وبلاد أبن مزيد لا يلبسون غيارًا ولهم شعور كالأتراك ويكنون بكنة المسلمين فتقدم بخروج من عين من العدول والفقهاء فهذبوا نواحي بغداد وقصدوا حلة ابن مزيد فهذبوها وجاء يدعي النبوة وأنه خاطبه الجبل والملائكة فتصفح حاله فإذا به من مهوسي العرب فكادوا يحملونه إلى المارستان ثم صفـح عنه زود فرحل‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ بنيت التاجية بباب أبرز وجددت على الزاهر مسناه كان لها أساس قائم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن سعيد أبو القاسم السامري من أهل نيسابور سمع الحديث الكثير من أبي بكر الحيري وأبي سعيد الصيرفي وأبن باكويه وغيرهم وسافر البلاد وعبر وراء النهـر روى عنـه أشياخنـا وكـان ثقـة فاضـلًا لـه حـظ مـن الـأدب ومعرفـة بالعربية وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة بنيسابور‏.‏

شافع بن صالح بن حاتم أبو محمد الجيلي سمع من أبي علي بن المذهب والعشاري وأبي يعلى الفراء وعليه تفقه توفي في صفر هذه السنة‏.‏

طاهر بن الحسين أبو الوفاء البندقجي الهمذاني كان شاعراُ مبرزًا له قوة في لزوم مالا يلزم وله قصيدتان إحداهما في مدح نظام الملك وهي

لاموا ولا علموا ما اللوم ما لاموا ورد لومهـم هم وآلام وأخـرى معجمـة كلهـا نحوهـا فـي العـدد وكـان قويـًا في علم النحو واللغة والعروض ولم يمدح لابتغء عرض وكان يعد ذلك عارًا توفي في رمضان هذه السنة عن نيف وسبعين سنة بالبندنيجين‏.‏

عبد الله بن نصر أبو محمد الحجادي سمع الحديث وصحب الزهاد وتفقه على مذهب أحمد بن حنبل وكان خشن العيـش فـي عبادته وحج على قدميه بضع عشرة سنة ودفن في ربيع الاول من هذه السنة بباب حرب‏.‏

عبد الملك بن الحسن بن خيرون بن إبراهيم أبو القاسم الدباس أخو أبي الفضل ابن خيرون أبو شيخنا أبي منصور‏.‏

كان رجلًا صالحًا من خيار البغداديين روى عنه ابنه وشيخنا عبد الوهاب‏.‏

توفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب‏.‏

فاطمة بنت علي المؤدب بنت الأقرع الكاتبة

سمعت أبا عمر بن مهدي وغيره حدثنا عنها أشياخنا وكـان خطهـا مستحسنـًا فـي الغايـة وكانت تكتب على طريقة ابن البواب وكتب الناس على خطها وأهلت لحسن خطها لكتابة ‏"‏ الهدنة ‏"‏ إلى ملك الروم من الديوان العزيز وسافرت إلى بلاد الجبل إلى عميد الملك أبي نصر الكندري وسمعت شيخنا أبا بكر محمد بن عبد الباقي البزار يقول‏:‏ الكاتبة فاطمة بنت الأقرع تقول‏:‏ كتبت ورقة لعميد الملك الكندري فأعطاني ألف دينار وتوفيت في محرم هذه السنة ودفنت بباب أبرز‏.‏

محمد بن أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله توفي عن جدري وقد قارب تسع سنين فاشتدت الرزيئة فيه وجلس للعزاء بباب الفردوس ثلاثة أيام وحضر الناس على طبقاتهم فخرج التوقيع يتضمن أن أمير المؤمنين أولى من أقتدى بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول‏:‏ الذين أصابتهم مصيبة قالوا ‏{‏إنا لله وإنا إليه راجعون‏}‏‏.‏

وذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات ولده إبراهيم وقد عزى أمير المؤمنين نفسـه بمـا عـزى اللـه تعالـى بـه الأمـة بعـد نبيـه بقوله‏:‏ ‏{‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏}‏‏.‏ فإنا لله وإنا إليه راجعون تسليمًا لحكمه ورضا بقضائه فيعلم الحاضرون ما رجع إليه أمير المؤمنين وأن العلم الشريف محيط بحضورهم وليؤذن لهم في الانكفاء‏.‏

محمد بن محمد بن زيد بن علي بن موسى بن جفعر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب الحسيني ذو الكنيتين‏:‏ أبو المعالي وأبو الحسن المرتضى ذو الشرفين ولد سنة خمس وأربعمائة وسمع الحديث الكثير وصحب أبا بكر الخطيب وتلمذ له وأخذ عنه علم الحديث فصارت له به معرفة حسنة وسمع بقاءته الكثير من شيوخه وروى عنه الخطيب في مصنفاته وكان بغدادي الولد والمنشأ ثم سكن سمرقند وأملى الحديث بأصبهان وغيرها وكان يرجع إلى عقل كامل وفضل وافر ورأي صائب وصنف فأجاد وكـان لـه دنيـا وافرة وكان يملك نحو أربعين قرية بنواحي كش وكان يخرج زكاه ماله ثم يتنفل بالصدقة الوافرة فكان ينفذ إلى جماعة من الأئمة الأموال إلى كل بلد واحد من ألف دينار إلى خمسمائة إلى سبعمائة فربما بلغ ببعثه عشرة آلاف دينار وكان يقول‏:‏ هذه زكاة مالي وأنا غريب لا أعرف الفقراء ففرقوها أنتم عليهم وكل من أعطيتموه شيئًا من المال فابعثوه إلى حتى أعطيه عشر الغلة وكان يصرف أمواله إلى سبل البر‏.‏

وحسده قاضي البلد فقال للخضر بن إبراهيم وهو ملك ما وراء النهر‏:‏ إن له بستانـًا ليـس للملوك مثله فبعث إليه إني أريد أن أحضر بستانك‏.‏

فقال للرسول‏:‏ لا سبيل إلى ذلك لأني عمرته من المال الحلال ليجتمع عندي فيه أهل الدين فلا أمكنه من الشرب فيه‏.‏

فأخبر الأمير فغضب وأعاد الرسول فأعاد الشريف الجواب وأراد أن يقبض عليه فاختفى وطلـب فلـم يـر فأظهـروا أن الخضـر قـد ندم على ما كان فعل فظهر فبعث إليه الأمير بعد مدة نريد أن نشاورك فـي مهمـات فحضـر فحبسـه واستولـى علـى أموالـه‏.‏

فحكـى بعـض وكلائه قال‏:‏ توصلت إليه وقلت إنهم يأخذون مالك من غير اختيارك فأعطهم ما يريدون وتخلص فقال‏:‏ لا أفعل وقد طاب لي الحبس والجوع فإني كنت أفكر في نفسي منذ مدة وأقول من يكون من أهل بيت رسول الله صلـى اللـه عليـه وسلـم لابـد أن يبتلي في ماله ونفسه وأنا قد ربيت في النعم والدولة فلعل في خلـلًا فلمـا وقعـت هـذه الوقعـة فرحـت بهـا وعلمـت أن نسبي صحيح متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفعل شيئًا إلا برضى الله تعالى فمنعوه من الطعام فمات‏.‏

وكـان هـذا فـي هذه السنة وأخرج في الليل من القلعة فلما علم ولده نقله إلى موضع آخر فقبره هناك يزار‏.‏

وحكى أبو العباس جعفر بن أحمد الطبري قال‏:‏ رأيت المرتضى أبا المعالي بعد موته وهو في

الجنة بين يديه مائدة طعام موضوعة‏.‏

فقيل له‏:‏ ألا تأكل قال‏:‏ لا حتى يجيء ابني فإنه غدًا يجيء فلما انتبهت من نومي قتل ابنه الظهر في ذلك اليوم‏.‏

محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن بن علي بـن سليمـان بـي الفـرج أبـو الفضـل المعـروف بالبغدادي وهو من أهل أصبهان ولد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وسمع وحدث ووعظ وكان يوصف بالفصاحة والعلم بالتفسيـر والمعانـي روى عنـه ولـده أبـو سعـد شيخنا وعبد الوهاب الحافظ‏.‏

توفي ببغداد عند رجوعه من الحج في صفر هذه السنة‏.‏

محمد بن هلال بن المحسن بن أبراهيم أبو الحسن الصابي غرس النعمة سمع أباه وأبا علي بن شاذان وذيل على تاريخ والده الذي ذيله أبوه على تاريخ ثابت بن سنان الذي ذيله على تاريخ ابن جرير وكان له صدقة معروف وخلف سبعين ألف دينار توفـي فـي ذي القعـدة مـن هـذه السنـة ودفـن فـي داره بشـارع ابـن عـوف ثـم نقـل إلـى مشهـد علـي عليـه السلام قـال المصنـف رحمـه اللـه‏:‏ ونقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال‏:‏ حضرنا عند بعض الصدور فقال‏:‏ هل بقي ببغداد مؤرخ بعد أبن الصابي فقال القـوم‏:‏ لا فقـال لا حـول ولا قـوة إلا باللـه يخلـو هـذا البلـد العظيـم مـن مـؤرخ حنبلـي يعنـي ابـن عقيـل نفسـه هـذا ممـا يجـب حمـد الله عليه فإنه لما كان البلد مملوءًا بالأخبار وأهل المناقب قبض الله لها من يحكيها فلما عدموا وبقي المؤذي والذميم الفعل أعدم المؤرخ وكان هذه ستر عورة‏.‏

وحكـى عنـه هبـة الله بن المبارك السقطي‏:‏ أنه كان يجازف في تاريخه ويذكر ما ليس بصحيح قـال‏:‏ وقـد ابتنـى بشارع ابن أبي عوف دار كتب ووقف فيها نحوًا من أربعمائة مجلد في فنون العلوم ورتب بها خازنًا يقال له‏:‏ ابن الأقساسي العلوي وتكرر العلماء إليه سنين كثيرة ما لم تـزل لـه أجـرة فصرف الخازن وحك ذكر الوقف من الكتب وباعها فأنكرت ذلك عليه فقال‏:‏ قد أستغني عنها بدار الكتب النظامية قال المصنف‏:‏ فقلت بيع وقفها محظور‏.‏

فقال‏:‏ قد صرفت ثمنها في الصدقات هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد المحلي أبو نصر‏.‏

سمع ابن المهتدي وابن المأمون والخطيب وخلقًا كثيرًا وكتب الكثير وكان حلو الخط وصنف وجمع وأنشأ الخطب و المواعظ وأدركته المنية قبل بلوغ زمان الرواية وإنما سمع منه

أبو بكر بن عمر أمير الملثمين كان بأرض غانة في مجاهدة الكفار وقام له ناموس لم يقم مثله لأحد بالديـن والزهد وكان يركب إذا ركب أصحابه ويطعم إذا طعموا ويجوع إذا جاعوا‏.‏

وقد قيل أنه لم يتوجه في وجه من مجاهدة أو دفع عدو في أقل من خمسمائة ألف كل يعتقد طاعة الله في طاعته وكان يحفظ الحرمات ويراعي قوانين الإسلام مع صحة المعتقد وموالاة الدولة العباسية فأصابته نشابة في حلقه فمات بها في هذه السنة عن نيف وستين سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثمانين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها أن أهـل بـاب البصـرة شرعوا في بناء القنطرة الجديدة في صفر ونقلوا الآجر في أطباق الذهب والفضـة و بيـن أيديهم البوقات والدبادب وجاء إليهم أهل المحال وأهل باب الأزج فاجتازوا بامرآة تسقي الماء فجعلوا يتناولون منها ويقولون‏:‏ السبيل فاتفق أنـه جـاز سعـد الدولـة فاستغاثـت المرآن إليه فأمر بإبعادهم عنها فضربهم الأتراك بالمقارع فجذبوا سيوفهم وضربوا وجه فرس بنميـاز حاجبـه فرمتـه فحمـل سعـد الدولـة الحنـق فصعد فخبطه في الماء والطين وحرصوا أن يقع هذا الرجل فما قدروا عليه وأخذ ثمانية من القوم لم يكن معهم سلاح فقتل واحد وقطعت أعصاب ثلاثة وفي ربيع الآخر‏:‏ بنى أهل الكرخ عقدًا لأنفسهم‏.‏

وفـي هـذا الشهـر‏:‏ ابتـاع تركـي مـن أصحـاب خاتـون زوجـة الخليفـة من طواف شيئًا فتنابذا فضربه التركي فشجه فاستغاثت العامة فخرج توقيع الخليفة بإبعاد الأتراك أصحاب خاتون من الحريم وأن لا يبيت أحد منهم فيه فأخرجوا من ساعتهم على أقبح صورة فباتوا بدار المملكة وفي هذه السنة‏:‏ فتح ملك شاه سمرقند‏.‏

وفيها‏:‏ حج الوزير أبو شجاع واستناب ابنه أبا منصور وطراد بن محمد الزينبي‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عبد الصمد بن أبي الفضل التاجر الغورجي الهروي أبو بكر، أحمد بن ابي الحاتم سمع أبا محمد الجراحي حدثنا عنه أبو الفتح الكروخي‏.‏

أحمد بن محمد بن الحسن بن الخضر أبو طاهر الجواليقي والد شيخنا أبي منصور سمع أبا القاسم عبد الملك بن بشران روى عنه شيخنا عبد الوهاب‏.‏

قال شيخنا أبن ناصر‏:‏ كان شيخًا صالحًا متعبدًا من أهل البيوتات القديمة ببغداد ذا مذهب حسن وتعبد وكان جده الخضر صاحب قرى وضياع ودخل كثير وتوفي أبو طاهر فجأة في رجب هذه السنة‏.‏

عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر أبو إسماعيل الأنصاري الهروي ولـد في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلثمائة وكان كثير السهر بالليل وحدث وصنف وكان شديدًا على أهل البدع قويًا في نصرة السنة حدثنا عنه أبو الفتح الكروخي‏.‏

وأنبأنا محمد بن ناصر عن المؤتمن بن أحمد الحافظ قال‏:‏ كان عبد الله الأنصاري لا يشد على الذهـب شيئـًا و يتركـه كما يكون ويذهب إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا توكي فيوكى عليك ‏"‏ وكان لا يصوم رجب وينهي عن ذلك ويقول ما صح في فضل رجب وفي صيامـه شـيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكان يملي في شعبان وفي رمضان ولا

يملـي فـي رجـب توفـي بهـراة فـي يـوم الجمعـة وقـت غـروب الشمـس رابـع عشريـن ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

عبد العزيز بن طاهر بن الحسين بن علي أبو طاهر الصحراوي من أهل باب البصرة حدث عن أبن رزقويه وغيره بشيء يسير وكان صالحًا زاهدًا فآثر العزلة واشتغل بالتعبد وكان مقيمًا في جامع المدينة وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن في المقبرة الشونيزية‏.‏

محمد بن أحمد بن محمد بن علي أبو الحسين أبن الآبنوسي ولد في سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وسمع من الدارقطني وابن شاهين وابن حبابة والكتاني والمخلـص وغيرهـم وكـان سماعه صحيحًا حدثنا عنه أشياخنا وتوفي ليلة الاثنين تاسع عشرين شوال هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب‏.‏

محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن جعفر أبو الحسن الباقرحي

ولد في شعبان سنة سبع وتسعين وثلثمائة وسمع من أبي الحسين ابن المتيم وابي الحسن بن رزقويه وابن شاذان وغيرهم وحدثنا عنه أشياخنا وهو من الثقات أهل بيت الحديث والعلم والعدالة من ظراف البغداديين وتوفي في يوم الأحد ثاني رمضان هذه السنة ودفن في باب حرب‏.‏

محمد بن أحمد بن محمد أبو جابر الزهري من ولد عبد الرحمن بن عوف سمع أبا عبد الله أحمد بن عبد الله المحاملي وأبا علي الحسين بن علي بن بطحاء وغيرهما روى عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي توفي في يوم الأربعاء عاشر شوال هذه السنة‏.‏

محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن محمود أبو يعلى السراج من أهل همذان سمع صحيح البخاري من كريمة بنت أحمد بن محمد بن أبي حاتم المروزية بمكة وبمصر من أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي وحدث عن أبي محمد الجوهري وتوفي في صفر هذا السنة سمع أبا محمد الجراحي روى عنه أبو الفتح الكروخي وتوفي في جمادى الآخرة بهراة‏.‏